الثلاثاء، 10 مارس 2009

البكــاء بين يدى جمـــالات القـــرد

فى المرة الأولى التى رأيتها فيها لم أتمالك نفسى من الضحك . كان المشهد غاية فى الغرابة ...صبى يقود عربة تريسيكل و فى داخل الصندوق تقبع امرأة كانت تشرئب بعنقها تتطلع الى الشارع . كنت أنتقلت للسكنى بهذا الحى حديثاً , و لهذا فقد أفهمنى ذوو الأقدمية أن هذا المنظر عادى و أن راكبة التريسيكل هى أشهر أمرأة بالمنطقة . عندما أستفسرت عمن تكون قالوا لى : انها جمــالات القـــرد ! هتفت مفزوعاً : جمالات مين ؟ أجابوا جمــالات القـــرد .. هى بالأساس دلالة تبيع الملابس بالتقسيط , و كما تتاجر أيضاً فى الحلويات و خاصة العسلية , و تستخدم التريسيكل فى نقل البضاعة , و أعتادت أن تضع نفسها داخله ثم تملى على السائق التلميذ خط السير . قلت : لا بأس .. أكل العيش أصبح يحتاج لشغل قــرود فعلاً . قالوا : نعم و لكن البأس كل البأس فى أن الست جمالات هى فى نفس الوقت ناظرة مدرسة , و أنها تستخدم المدرسين و التلاميذ فى الترويج لبضائعها , كما أنها تذهب بعربة التريسيكل الى المدرسة فى الصباح حاملة معها أصابع العسلية و أكياس الشيبسى تبيعها لحسابها فى المدرسة , علاوة على هذا هى تقلى طعمية و بطاطس و تقوم بعمل سندويتشات و تبيعها فى الفسحة للتلاميذ , و الغريب أن أحد الأساتذة يتولى امســاك دفاتر حسابات أبلة جمــالات و متابعة المخزون و المنصرف , و هى لا تتورع عن عمل جرد مفاجىء عليه بين وقت و أخر ! قلت لا شك أنكم تهزلون , كيف يمكن أن تكون ناظرة مدرسة و دلالة فى نفس الوقت , و كيف تتخذ من المدرسة مسرحاً لتجارتها العجيبة , و كيف تستغل التلاميذ فى عملية البيع ... ألا يوجد رؤساء و مفتشون .., و هل هذه المدرسة تتبع الادارة التعليمية لوالد الست جمالات ... الأستاذ القــرد ..؟ و بالمناسبة هل هذا هو أسمها الحقيقى ؟ ضحك القوم و أخبرونى بأن هذا هو أسم الشهرة الذى أطلقه عليها زبائنها الذين ربطوا بين سحنتها و بين القردة العليا , و أقتنعوا أن نظرية النشـــوء و الأرتقــاء لداروين قد تعطلت فى مرحلتها قبل الأخيرة فيما يخص جمالات . أما عن المفتشين و الرؤساء فمن الذى يستطيع أن يتصدى لها و هى أمينة المرأة بالحزب عن الحى , و صديقة القيادات و تستطيع أن تنفى أكبر شنب يفكر فى التصدى لها و أعتراض قوافل تجارتها أو لمس التريسيكل ! و بمناسبة التريسيكل فقد سألت العارفين : ألا تستطيع بكل ما تحصده من مال أن تركب سيارة مثل " ال بنى أدمين " ؟ قالوا لى أنها تملك عدة سيارات و كلها تاكسيات تجوب شوارع المدينة كما تملك أكثر من توك توك بالمنطقة , لكنها لا تجد راحتها الا على التريسيكل . سمعت الكثير من الأخت جمالات , و على قدر ما كان باعثاً على الضحك من غرابته , كان يثير الأسى على هذا البلد المنفلت و المندفع نحو الهاوية , اذ ان الســت الناظرة كانت تفرض اتاوات شهرية على المدرسين مقابل الدروس الخصوصية و مجموعات التقوية التى يعطونها , و لم تكن تمنح اعفاء للمدرسين الذين لا يريدون اعطاء دروس , مما حدا بهم الى التوحش مع التلاميذ من أجل جمع شهرية القــرد . لم تكن كذلك ترق أو تلين لأى مصاب طارىء يلم بأحد المدرسين , و الكل يذكر كيف أرغمت مدرساً كسرت ساقه على الحضور للمدرسة يومياً و رفضت منحه اجارة حتى يفصل القوميسيون الطبى فى أمره , مما جعل زملاءه يحملونه يومياً الى المدرسة , و الأغرب أنها تقاضت منه الاتاوة الشهرية عن نفس الشهر الذى قضاه فى فى الجبس و لم ترحم دموعه و توسلاته !! كم هى مؤلمة حياة الناس فى هذا الوطن .. ان المجتمعات الديمقراطية قادرة على تلافى أضرار الشخصيات السيكوباتية أمثال جمالات القرد و تحجيمها الى الحد الأدنى , لأنه مهما بلغ الشر و العدوانية بالشخص , فان سلطاته لا تكون مطلقة , و مراجعته و محاسبته تكون دائماً ممكنة . لكن فى ظل الأستبداد بالسلطة و غياب القانون فان السيكوباتيين يكونون دائماً الأقدر على تقدم الصفوف , و الحصول على مواقع تتيح لهم تحقيق مكاسب فاحشة على حساب الناس مع القدرة على قهر البشر و التمتع بأذلالهم , و أنا أؤمن بأن كثيراً من المسؤولين الذين ألحقوا الأذى بالمصريين كانوا على شاكلة الست جمالات القرد , بل كانوا مثلاً عليا لها , و هم لا شك قد ألهموها و منحوها أفكاراً جديدة تتعلق بالأحتكار و الأنفراد بالسوق و مراكمة الثروة و أستغلال النفوذ , و أعتبار الوظيفة مغنماً و المرؤوسين مطــايا , و ممارسة التجارة مع الوظيفة و التجارة بالوظيفة . ان جمالات القرد لا تفترق كثيراً عن نجوم المرحلة .... فلان الوزير أو علان النائب أو ترتان رئيس التحرير , فكل " يبرطع " فى منطقة نفوذه و داخل حدوده الأقطاعية التى و ضع يده عليها , و مثلما يبكى المصريون من الأخ السيكوباتى الذى لا يستطيع أحد أن يلوى ذراعة , و زميله الملاكم السادى الذى يكره القضاة و لا يفكر الا فى ايذائهم , فان المدرسين و التلاميذ يبكون جبروت الناظرة الدلاله التى تستعد لانتخابات المحليات و هى البارعة فى التزوير و فى تقفيل اللجان و القاء الرعب فى قلوب الخصوم . و من لا يصدقنى و يتصور أن جمالات شخصية خيالية عليه أن يأتى الى ناصية شارعنا فى الصباح الباكر ليرى التريسيكل قادماً من بعيد , و من داخل الصندوق تظهر رأس جمــــالات القـــرد .....!!؟؟

الاثنين، 9 مارس 2009

كــابورياتى و معالى كــيس الرمـــل

وهذه أيضاً رائعة أخرى و جديدة للأستاذ أسامة غريب من نفس الكتاب أفتوكا لايزو ..
لا أذهب الى الأسكندرية الا و تكون زيارة صديقى " الريس كابورياتى " هى أولى الواجبات التى أحرص عليها قبل أن أفعل أى شيىء آخر . ترجع صداقتنا الى أكثر من عشرين سنة مضت عندما قابلته فى حلقة السمك بالمكس , صحبنى الى مطعم السمك الذى يديره بالجوار . مهابته وسط الصيادين و تجار السمك ليست محل شـك . هو بالنسبة لهم بمثابة الدليل و المرجع . الجميع يستشيره و يأخذ برأيه فى كل الأمور. كان يصر كلما ذهبت اليه على دعوتى الى أكلة سمك فاخرة , و كذلك دعوتى الى لقائه اليومى بأهله و عشيرته , و حيث كان يقوم بالأستماع الى مشاكلهم و فض المنازعات بينهم . و على تواضع حظه من التعليم , فقد أوتى حكمة عظيمة , و كان يدهشنى ذكاؤه وقدرته على ايجاد حل لكل مشكلة , و حتى أننى لأتصور أن رجلاً كهذا يصلح بدون مبالغة لقيادة مركز لأدارة الأزمات أفضل من كل الموجود بالهيئات و المؤسسات العامة . و لا أخفيكم أننى أعتقد بحق أن البروفيسير كابورياتى – كما أحب أن أناديه – يمكنه أن يكون رئيساً للوزراء على قدر عال من الكفاءة بأكثر مما يتصور أحد . و قد شهدت ذات يوم فى مطعمه الذى يؤمه علية القوم أحتدام النقاش بينه و بين أحد أفنديات القاهرة و الذى يعمل مديراً لمكتب أحد الوزراء عندما ذكر الأفندى أن مخدومه الوزير يتعب كثيراً و يبذل جهداً فوق الطاقة من أجل مصر .. يومها شاهدت كابورياتى يضحك من أعماقه لمدة ربع ساعة متصلة و يقع على الأرض ثم ينهض و يواصل الضحك , ثم ينادى أحد صبيانه " على جندوفلى " و يقول للرجل مشيراً الى صبيه : ان جندوفلى يصلح لأن يستوزر و يحقق صالح الناس أفضل من وزيرك الذى يتعب من أجلنا ... ستسألنى كيف , أقول لك : جندوفلى يحب الناس فلن يؤذيهم , و هو صادق بطبعة , فلن يكذب عليهم , و هو لن يحج على حسـاب شعب مصر لأنه لا يقبل السحت , و لن يجرح مشاعرهم أو يعيرهم بفقرهم , و لأنه شهم و ابن بلد فلن يغلق الشوارع و يحبسهم عند مروره , و لن يغافل الناس و يبيع ممتلكاتهم , و لن يهددهم برفع الدعم , و لن يحمى الحرامية و يمنع تقديمهم للعدالة ..., هذا عن الأشياء التى لن يفعلها أبداً , أما الأشياء التى سيفعلها فأطمئنك ... لن يفعل شيئاً , حسبه أن يمتنع عن " الأذية " و هذا لعلمك أكبر مما يحلم به الناس ! الحقيقة أننى يومها أخذت بفصاحة كابورياتى و أتساق منطقه و ’بعد نظره , رغم فانتازية الحوار و كاريكاتوريته . فى زيارتى هذه المرة لقيت مطالب الأهالى قد زادت و رأيتهم يحملون اليه طلبات مكتوبة اعتقاداً منهم بأنه يقدمها للوزراء و المسؤولين من خلال معارفه , و بعضها يطلب التعيين فى وظيفة , أو المساعدة فى تنكيس بيت أو أستعجال عربة الكسح , و كانت أغرب الطلبات من شاب يلتمس من كابورياتى أن يتدخل و يطلب من رجال الشرطة أن يبتعدوا عن مكان العملية و يضربوه فى أى موضع أخر !! كانت دعوته لى هذه المرة فى بيته الذى لا يدعو اليه سوى المقربين من الأصدقاء ,و لمحت فى الصالة كيس رمــل مما يتدرب عليه الملاكمون فى الأندية , و حول الكيس أوراق ملصقة تحيط به من كل جانب . لم يفتنى أن أسأله عن ماهية كيس الرمل و الأوراق الملصقة به . ضحـك فى مودة و قال : هذه طلبات الناس التى يقدمونها لى على أمل أن أقدمها بدورى الى بعض الوزراء . و لما كان هذا البعض لا يحل و لا يربط و لا يرجى من ورائه أية فائدة , و مفهوم أن اتوزاره تم من أجل غرض واحد . سألته : أى غرض هذا يا بروف ؟ قال : لا يغيب عن فطنتك أن الأشياء الطيبة التى يسمونها انجازات يجب أن ينسب الفضل فيها الى السيد الرئيس : قلت له : تمام , فأضاف : أما الكوارث و النكبات فلا أن تجد أباً شرعياً يقبل أن " يشيل الليلة " و هذا بالضبط هو دور بعض الوزراء فى أغلب الأحيان , بمعنى أن يستقبل نقمة الناقمين و غضب الغاضبين و سخط الساخطين و أن يتلقى الضربات و اللعنات و يمتصها حتى لا تصل الى فوق , و لا يهم بعد ذلك كيف يكون سلوك الوزير ازاء غضب الناس .. بعضهم يتفهم و يسامح و ينعم فى المقابل بالثروة و الجاه , و البعض الأخر يرد على الغضب باجراءات انتقامية فى حق الناس فيتضاعف الحنق الشعبى ضده , ( و هو المطلوب ) و هذا يكون بقاؤه فى الوزارة مضموناً لمدة طويلة نظراً لكفائته فى المهمة . قلت له يا ريس كابورياتى .. ما هذه التحليلات العميقة , و لكنى مع هذا لم أفهم لماذا تعلق كيس الرمل فى بيتك على هذا النحو ؟ أجاب : لأن الناس كما رأيت بعينيك يستحلفوننى و يأخذون على العهد أن أقوم بتوصيل طلباتهم , و أنا لا أستطيع أن أحنث فى القسم و لا أن أخذل أصحابى و أهلى !! فى الوقت نفسه فانى أقوم بما يقدرنى عليه ربنا و أحاول من خلال الحبايب أن أساعد الناس قدر الطاقة . قلت و أنا غير مصدق : أنت مدهش يا كابورياتى , أنت رجل عجيب حقاً , و أنا لابد أن أكتب عنك حتى يتعرف القراء على صديقى الجميل : البروفيسور كــابوريــاتى !!

الجمعة، 6 مارس 2009

"لغات الحب الخمسة عند الأطفال

"الكتاب مترجم ، و من تأليف عالمى النفس تشابمان وروس كامبل أصدق دوما شكوى الأهل باستحالة التعامل مع أبنائهم وتذمراتهم المستمرة ، والصعوبات التى يواجهونها فى المدرسة ، بالإضافة إلى شكوى الأم خاصة بأنها ما عادت تحتمل كل هذه المشاكل ، تأتينى فى العيادة اسرة لديها وعى بأهمية تلقيها المساعدة ، طفلهما الأول مصدر شكوتهما نظرا لعدوانيته الزائدة وعدم طاعته لأوامرهما ، وتاخره الدراسى وكذبه المستمر ، وتعانى الأم من عدم إدارة الغضب ، فتجدها طوال الوقت تصرخ فيه معلنه خيبة أملها ، بالإضافة لشعور الأم بالذنب لعدم إدارة غضبها وتوبيخها المستمر له ، فى مثل هذه الحالات أتعاطف جدا مع الأم رغم اننى اراها هى وزوجها مسئولين بشكل أساسى عن مشاكل طفلهما ، لكننى ارى فيها إنسان لم تسدد إحتياجاته منذ الصغر .يرى تشابمان وكامبل أن للإنسان خمس لغات للمحبة يحتاجهم بشدة وإن لم يسددا تظهر لديه العديد من المشاكل ، سنناقش الخمسة إحتياجات وكيفية تسديدهم ، مع العلم بأن اللغات الخمسة للحب يصلحا فى الحياة الزوجية ، فتشابمان قضى وقت طويل فى تطبيق هذه اللغات على الأزواج فى الأساس ، واكتشف مدى فائدتها للأطفال الصغار ، كما تحدث عن انه على الرغم من احتياجنا للخمس لغات ، إلا انه هناك لغة واحدة هى السائدة لدى الشخص والتى يجيدها ويفضلها سواء فى تلقيه أو إرساله للحب
.أولى هذه اللغات هى اللمس
، نسدد جميعا احتياج الطفل لللمس منذ ميلاده ، ترضعه الأم وهو فى حضنها وتربت عليه ككائن جديد وتنظر له بمحبة دافئة ، لكن بمجرد ان يكبر تقل الفترات التى تلمسه فيه ، وتصبح هادفة إلى شىء ، ربما أثناء مساعدته فى إرتداء ملابسه ، او فى ضربه أثناء عقابها له ، من المهم جدا تسديد إحتياج الطفل إلى اللمس ، خذيه فى حضنك ، وربتى عليه بحنان زائد ، افعلا ذلك يوميا ، ربما ممارسة طقس مثل الحواديت وهو نائم فى حضنك مهم جدا لتوصيل اللمس الدافىء ، الطفل الذى يستخدم اللمس كلغة للحب ، تجده دوما يريد لمسك ويرتمى فى حضنك ويطمئن جدا ويهدأ بمجرد أن تضمه إليك ، هذا الطفل لا يمكن معاقبته بالضرب ، لأنك تعاقبه بلغة حبه ، فأنت تعطيه رسالة بأننى لا احبك ، كما تظهر لديهم بعض الإضطرابات عندما لا يسدد احتياجهم لللمس كلغة رئيسية للحب
ثانى هذه اللغات هو التشجيع
، وهو كيف تقول لطفلك كلام إيجابى عن قدراته ، ففى هذه السن المبكرة تتشكل لديه صورته عن ذاته من كلام والديه عنه ، وستجد الطفل الذى تتحدث لغة محبته بالتشجيع ، يمتن جدا للكلام الإيجابى ، ويختار هذه اللغة فى تعبيره عن المحبة ، فالطفل لا يختار لغته الأساسية إلا فى سن متاخر قليلا فربما استقر عليها فى السابعة أو بعد ذلك بقليل ، فستجده يشجعك بالكلام الإيجابى ، بالطبع سيحدث ذلك إذا تعلمت كيف تسدد احتياجه إلى التشجيع ، لكن تجنب أن تفعل ذلك طوال الوقت وبدون داع ، شجعه على إيجابياته، لكن لا تخترع اشياء لا يستحقها ، حتى لا تفقد مصداقيتها
."قضاء الوقت مع الطفل"
من إحدى لغات الحب الخمسة ، يحتاج بعض الأطفال لمجرد قضاء وقت معه فقط ، أن تلتفت إليه وتتحدث معه ، فهؤلاء يحاولون ان يلفتوا الإنتباه إليهم ، يكادوا يصرخون " ماما- بابا أنا هنا" يطلب منك أن تلعب معه ، يشعر بمحبتك بهذه الطريقة ، أعرف أحد الأصدقاء لا يشعر بحب والديه إلا وهم يمكثان بجواره اثناء مذاكرته رغم أنه طالب بالسنة النهائية بكلية الطب ، لكن لغة محبته هى قضاء الوقت ، فيشعر بالمساندة والحب من وجودهما بجواره . هذا الطفل يتعذب نفسيا إذا عاقبته بإقصائه عنك لفترة ويشعر بأنك تكره
.رابع هذه اللغات للحب هو "تقديم الخدمات
"وهى من اكثر الأشياء التى نمارسها مع اطفالنا نعد لهم الأكل وندفع مصاريف المدرسة ونشترك لهم فى النادى ، بعض الأباء وفى أثناء نوبة غضبهم من الطفل يعددون له تلك الأشياء التى يفعلونها من أجله رغم أنه لا يستحق ، هذه رسالة للطفل الذى يستخدم هذه اللغة تقول" انت لا تستحق محبتى" فهناك بعض الأطفال الذين يشعرون بالإمتنان الحقيقى لفعل هذه الأشياء وتجده يعبر عن محبته لك بغسيل الصحون أو تنظيف الشقة
.أخر هذه اللغات هى "الهدايا
"نعلم جميعا أن الأطفال يحبون الهدايا بشدة ، لكن هذا الطفل الذى يستخدم هذه اللغة ستجده مبهور بالهديه وسعيدا بها رغم بساطتها ، ربما تعطى طفليك نفس الهدية ، لكن تجد احدهما منبهر بها بشكل أكبر من الأخر، ستجد هذا الطفل يعبر عن حبه لك بشراء الهدايا البسيطة ، ربما بورده يفاجئك بها ، حاول أن تسدد احتياجه ، ربما تحتاج أن تغلف له ملابس العيد وتعطيها له بشكل مميز ، أو تفاجئه بقطعة شيكولاته مغلفة
.أن تتحدث بلغة محبة طفلك أمر مهم وضرورى لتسديد احتياجاته ، اثبتت الدراسات ان الأطفال الذين يتم تسديد احتياجاتهم هم الأقل عدوانية واكثر تميزا فى الدراسة ، وأكثر سعادة .أعرف جيدا كم الألم والضغط الذى ستعانوه إذا لم تتمكنوا من تسديد احتياجاتكم الشخصية ، حاول ان تناقش مع شريك حياتك كيفية تسديد كل منكما لإحتياجات الأخر ، تحدثا بلغة بعضكما ، الحب أن تتحدث بلغة شريكك وليس لغتك أنت ، تخيل انك تتحدث مع أجنبى بلغتك ، وقتها لن يتمكن من فهمك ، فتحدثكما لغة المحبة أمر يستحق التجريب .

الأحد، 1 مارس 2009

أفـــتوكــالايــزو

هى قصة للكاتب الساخر الجميل أسامة غريب و الذى سبق و ان عرضت أختى سكيننة له كتاب مصر مش أمى ...مصر دى مراة أبويا و قرأت له هذا الكتاب و هو يشمل على مجموعة من مفارقات الحياة الجميلة و المتفرقة و منها و أولها ....أفتوكالايزو....!!؟؟ عندما قابلت الشيخ بنزهير فى مونتريال للمرة الاولى لفت أنتباهى اليه شيئان : الاول خفة دمه و حبه للكوميديا و الضحك و الفرفشة...و الثانى شغفة و غرامه بالطعام بصورة تفوق أى تصور. كان بنزهير قد وصل الى نيويورك لاحياء ليالى رمضان مع الجالية المسلمة بالمدينة , ويبدو أن ما تذوقه خلال الشهر الفضيل من طعام راقه و أنساه أن يعود قبل انتهاء صلاحية التذكرة ! و هكذا قبع الرجل بين الاصدقاء متنقلاً بين نيويورك و نيوجيرسى , و على ضفاف موائدهم العامرة قضى أسعد الاوقات. كان فى البداية يبيت لدى أى أحد يتصادف وجوده فى بيته فى المساء, ثم ساعده أولاد الحلال فاستأجر غرفة و أستقر بشكل نهائى . و مضت السنوات تعلم فيها بعض اللغة الانجليزية , و صار كلامه - فرانكو أراب – شبيهاً ببعض أصحاب العمائم القدامى ممن كانوا يحفظون كلمات اللغة الانجليزية بتكرارها بصوت عال قائلين : القط..كات ...و الفأر ...رات ! ثم مد نشاطه فتجول فى ولايات عدة..و زار كندا و قضى فتره من الزمن بمدينة مونتريال , و هناك التقيت به فى أحدى السهرات مختلياً بطبق فته باللحمة الضانى فى ركن قصى من صالة الطعام , و قد فاجأنى فى اللقاء الاول بأنه زعلان منى و عاتب على بشدة , فلما أستفسرت منه عن السبب قال : لأننى أنتظرت منذ وصولى الى مونتريال أن تفيدنى...و طال أنتظارى دون جدوى. قلت له مدهوشاً : أفيدك فى ماذا ؟ ما هى بالضبط الفائدة التى تتوقعها منى و لم تجدها ؟ فضحك بشدة و أخذ يقهقه قائلاً : كنت أعلم أنك لن تفهمنى بسهولة مع أن كلامى واضح . قلت له وضح أكثر يا شيخ بنزهير . قال : - تفيدنى – يا أستاذ مشتقة من verb to feed ومعناها بالعربية يطعم أو يزغط أو يدفع المم فى الافواه , و – أتوقع منك أن تفيدنى – معناها أتوقع أن تطعمنى تذيقنى المم و أنتظر دعوتك لى على العشاء حتى أقبلها فوراً , و أضاف : لقد سمعت أنك رجل كريم و أن نارك تحت القدور لا تنطفىء ؟ أدهشتنى جرائته فى طلب العزومة و ضحكت بصوت عال قائلا ً : نارى لا تنطفىء ؟ هل تظننى حاتم الطائى فى طبعته الكندية أخرج فى طرقات مونتريال وسط الجليد باحثاً عمن يكون لم يتناول العشاء بعد ؟ قال : بل أكرم من حاتم الطائى . فقلت و قد قررت أن ألاعبه على طريقته و أجاريه فى لغته العجيبة : أفتو لايزو يا شيخ بنزهير ! فقال يعنى أيه ؟ قلت الا تزعم أنك تعرف لغات و تستطيع فك شفرة العفريت ؟ قال : غلب حمارى يا سيدى . قلت له : أفتوك لايزو يعنى أفتوك كذبا و نصفها الثانى مشتق من كلمة lies و تعنى أكاذيب بالانجليزية ..( فتوكا لايزو ) هو مصطلح يعنى ضحكوا عليك و باعوا لك التروماى و ملأوا خيالك بالوهم ...فهمت يا أستاذ بنزهير ؟ تلقف بنزهير المصطلح بسعادة بالغة و أخذ يردده فى فرحة , و صار من يومها لا يكف عن أستخدامه بسبب و بدون سبب , و بمرور الوقت نسى الناس أسم الشيخ بنزهير و صارت كلمة السر الدالة على الرجل هى ( أفتوكالايزو ) أو الشيخ أفتوكا ! و قد تزوج الشيخ أفتوكا و حصل على أوراق الاقامة و صار يقضى أيامه متنقلاً بين الولايات الامريكية و المقاطعات الكندية , و كلما لقيته فى أمريكا أو فى كندا كان يجرى نحوى مندفعاً فاتحاً ذراعيه لحتضننى فى ود و هو يصرخ بأعلى صوته : أفتوكا لايزو , و يشير نحوى و هو يقول للأصدقاء : هذا هو صاحب المصطلح و مالك حقوقه الحصرية , و لكنه تركه لى بنظام BOT و سأعيده اليه بعد 25 سنة . و على الرغم من أن هذا المصطلح العابث قد خرج بشكل عفوى فى سهرة بريئة مع الأصدقاء , و على الرغم من أننى تركت كندا و أمريكا منذ سنوات و لم أعد ألتقى بالشيخ بنزهير الا أن صوته مازال يرن فى أذنى و هو يقول ان جميع من فى مصر قد أفتوك لايزو. بسبب الشيخ بنزهير صرت أرى هذا المصطلح وثيق الصلة بأسباب تخلفنا و هو شأننا و ضياع حقوقنا , لأن حكومتنا المتصلة اذا ما أمعنت التفكير فى كل وعود أعضائها ستكتشف أنهم جميعاً قد أفتوك لايزو , و أعضاء مجالس الأنس ..المنتخبون منهم و المعينون لا يفتونك الا لايزو . و شيوخ الفضائيات و الأرضيات و الحوائط لا يفعلون سوى أن يفتونالايزو و مثلهم الصحف و المجلات , و الحزب العاكم و الأحزاب المساعدة التى تقوم بالتقاط بقايا الطعام من بين فكى التمساح , كذلك رجال الأعمال السفلية و العلوية ..حتى الفنانون لا تعكس أفلامهم و أغنياتهم سوى أكاذيب معبأة فى شرائط . و بالمناسبة ..لا أنسى سهرة دعيت اليها لدى سيدة أعمال مثقفة و مضيافة كانت تضم نخبة من نجوم الفن و الأدب و الصحافة و أساتذة الجامعة , و قد تصادف أننى فى هذا اليوم قد نشرت مقالاً عن ( المواطنة ) ستجدونه بالكتاب و فيه تناولت حكاية فتاة مصرية أرادت أن تدخل مطعماً على كورنيش النيل بصحبة بعض صديقاتها للأحتفال بعيد ميلادها , لكن مدير المطعم منعها فى غلظة من الدخول , و علل سبب المنع بأن ملابسها محتشمة أكثر من اللازم !!... جن جنون الفتاة بعد تعرضها لهذا الموقف المهين , و أرسلت حكايتها للصحف تطلب فضح المطعم العنصرى الفئوى الذى يمنع دخول المحجبات . و أخبرتنى الفتاة بأن أحداً لم يجرؤ على النشر لأنهم يتواطؤون مع صاحب المطعم و يخشون اغضابه . قمت بنشر حكايتها بصحيفة المصرى اليوم التى برهنت على ليبرالية حقيقية و أحترام حقيقى للقارىء . فى تلك السهرة دار الحديث و الدردشة حول المقال الذى كتبته بخصوص هذه الفتاة ... و على كثرة عدد الحضور الذين فى حدود 15 رجلاً و أمرأة لم أجد من بينهم شخصاً – يوحد الله – يقبل موقفى المساند للفتاة و حقها الطبيعى فى أن ترتدى ملابس محتشمة و أن تذهب للغداء فى مطعم ! قال ممثل بارز و محبوب : ما دامت تريد أن تتحجب أو تتنيل ...ما شأنها بالمطاعم النضيفة !! و قال الصحفى المخضرم : ان الحجاب قد انتشر كالوباء و أصبح يشكل حالة شديدة البؤس لا يمكن الدفاع عنها . و قالت سيدة فاضلة : ( بأعتبار أن الأخريات قد خرجن و هى التى فضلت ) ما الذى حدث لهذا البلد ؟ كنا زمان نرتدى المينى جيب و كانت الأخلاق أفضل بمائة مرة . و قال واحد من أساطين كتاب السيناريو : ليس لهذه الفتاة أية حقوق , و من يتشعلق بالحريات و الحقوق تكأة لنشر الطالبنية و الظلام فانه يشجع على الأرهاب و يحض على قتل الأبرياء و هذا لا يمكن أن نتعاطف معه (هكذا ) . وقال الأستاذ الجامعى : ان التيار يتحرش بالمجتمع و عندما نريد أن تكون لنا أماكننا و مطاعمنا الخاصة يزاحموننا فيها و كأنما لا تكفيهم بقية البلد! كان الكلام موجهاً الى شخصى باعتبارى الذى يساعد على نشر الوباء و الذى يحض على الأرهاب و تنطلى عليه دموع التماسيح الطالبانية . التفت حولى ألتمس شخصاً واحداً لديه بعض الأنصاف أو يحمل رؤية أنسانية للبشر و تعاطفاً مع أبسط حقوق الأنسان فى العموم .زفلم أجد . كلهم قالوا كلاماً فارغاً بعيداً كا البعد عن الموضوع ..الأخت التى تحدثت عن الأخلاق فى الستينات و كيف كانت أفضل ..أنا أؤيدها فى رأيها تماماً وأزيد عليها بأن الاخلاق قد أنهارت بالرغم من كل مظاهر التدين الزائف , لكن ما علاقة هذا بموضوعنا ؟.. نحن نتحدث عن انسانة أهينت لأن لبسها المحتشم لم يعجب أصحاب المطعم ..القضية بسيطة وواضحة . و الأخ الذى يطلب ممن تريد أن تتحجب أو تتنيل أن تجلس فى بيتها .. كيف سمح له ضميره الانسانى أن يقولها و هو الفنان الذى يحبه الجمهور و يتصورونه مثقفاً و مناضلاً و هم لا يدرون موقفة العنصرى منهم . و السيناريست الذى تطارده جذوره الصعيدية و يتطلع لاثبات أنه رجل مودرن وسط القاهريين , و نزع عن قتاة الحق فى الغداء بمطعم , ورأى فى هذا محاولة غزو طالبانى يجب التصدى لها . و أستاذ الجامعة الفاضل ماذا لديه يقدمه لطلابه عدا غثيانه و نفسه المائعة من أهل بلدة المصريين . كل الذى عنى السادة الأفاضل هو أن ينفثوا مشاعرهم الضائقة بمن يختلف عنهم فى أسلوب الحياة . لم يهتم أحد منهم بحقوق الأنسان التى يتحدثون عنها بألية و ميكانيكية تشبه الببغاء طول الوقت , وهى لا تعنى لديهم سوى حقوق أصدقائهم و بس ! قلت لهم منهياً الحديث : أنتم جميعاً فاشيست و لا أمل فيكم . و لم أشأ أن أدخل فى جدل عقيم حول صورتهم لدى الرأى العام الذى لا يعرف عنهم كل هذه الوحشية و القسوة و يتصورهم مشاعل النور . و لم أشأ أن أخبرهم أننى لا أدافع عن الحجاب و لا أدافع حتى عن الأحتشام , و لكن ما يعنينى هو حق البشر فى ألا يظلموا و ’يفتأت على حقوقهم لمجرد أن ملابسهم لا تعجبك . و لم أشأ أن أسعدهم بأننى شخصياً لست مغرماً بالحجاب و لا يشغلنى أن تتحجب المرأة أو تسفر , و لا أتدخل فى خيارات الناس الشخصية ... انما يعنينى صدقهم و ألتزامهم بالأصول و ليرتدوا ما شاؤوا . خرجت من هذه السهرة و أنا فى نكد عظيم لأن هؤلاء الناس لا يظهرون آراءهم الحقيقية و لا يعلنون عنها , و يحصلون على حب و أحترام لا يستحقونه , وهم فى موقفهم هذا تكفيريون يستبيحون كرامة و رب ما دم من يختلف معهم , و لا يرون له حقوقاً كما لو كان حشرة . و أحزننى أيها القارىء الكريم أنهم فى السينما و فى التليفزيون و الصحافة و فى الجامعة و على مدى سنوات طويلة قد غرروا بك و أطعموك البلوظة , و أفتوك فى كل ما سألتهم ..لايزو أســـامة غــــريب القاهرة 21 نوفمبر 2008