الأحد، 1 مارس 2009

أفـــتوكــالايــزو

هى قصة للكاتب الساخر الجميل أسامة غريب و الذى سبق و ان عرضت أختى سكيننة له كتاب مصر مش أمى ...مصر دى مراة أبويا و قرأت له هذا الكتاب و هو يشمل على مجموعة من مفارقات الحياة الجميلة و المتفرقة و منها و أولها ....أفتوكالايزو....!!؟؟ عندما قابلت الشيخ بنزهير فى مونتريال للمرة الاولى لفت أنتباهى اليه شيئان : الاول خفة دمه و حبه للكوميديا و الضحك و الفرفشة...و الثانى شغفة و غرامه بالطعام بصورة تفوق أى تصور. كان بنزهير قد وصل الى نيويورك لاحياء ليالى رمضان مع الجالية المسلمة بالمدينة , ويبدو أن ما تذوقه خلال الشهر الفضيل من طعام راقه و أنساه أن يعود قبل انتهاء صلاحية التذكرة ! و هكذا قبع الرجل بين الاصدقاء متنقلاً بين نيويورك و نيوجيرسى , و على ضفاف موائدهم العامرة قضى أسعد الاوقات. كان فى البداية يبيت لدى أى أحد يتصادف وجوده فى بيته فى المساء, ثم ساعده أولاد الحلال فاستأجر غرفة و أستقر بشكل نهائى . و مضت السنوات تعلم فيها بعض اللغة الانجليزية , و صار كلامه - فرانكو أراب – شبيهاً ببعض أصحاب العمائم القدامى ممن كانوا يحفظون كلمات اللغة الانجليزية بتكرارها بصوت عال قائلين : القط..كات ...و الفأر ...رات ! ثم مد نشاطه فتجول فى ولايات عدة..و زار كندا و قضى فتره من الزمن بمدينة مونتريال , و هناك التقيت به فى أحدى السهرات مختلياً بطبق فته باللحمة الضانى فى ركن قصى من صالة الطعام , و قد فاجأنى فى اللقاء الاول بأنه زعلان منى و عاتب على بشدة , فلما أستفسرت منه عن السبب قال : لأننى أنتظرت منذ وصولى الى مونتريال أن تفيدنى...و طال أنتظارى دون جدوى. قلت له مدهوشاً : أفيدك فى ماذا ؟ ما هى بالضبط الفائدة التى تتوقعها منى و لم تجدها ؟ فضحك بشدة و أخذ يقهقه قائلاً : كنت أعلم أنك لن تفهمنى بسهولة مع أن كلامى واضح . قلت له وضح أكثر يا شيخ بنزهير . قال : - تفيدنى – يا أستاذ مشتقة من verb to feed ومعناها بالعربية يطعم أو يزغط أو يدفع المم فى الافواه , و – أتوقع منك أن تفيدنى – معناها أتوقع أن تطعمنى تذيقنى المم و أنتظر دعوتك لى على العشاء حتى أقبلها فوراً , و أضاف : لقد سمعت أنك رجل كريم و أن نارك تحت القدور لا تنطفىء ؟ أدهشتنى جرائته فى طلب العزومة و ضحكت بصوت عال قائلا ً : نارى لا تنطفىء ؟ هل تظننى حاتم الطائى فى طبعته الكندية أخرج فى طرقات مونتريال وسط الجليد باحثاً عمن يكون لم يتناول العشاء بعد ؟ قال : بل أكرم من حاتم الطائى . فقلت و قد قررت أن ألاعبه على طريقته و أجاريه فى لغته العجيبة : أفتو لايزو يا شيخ بنزهير ! فقال يعنى أيه ؟ قلت الا تزعم أنك تعرف لغات و تستطيع فك شفرة العفريت ؟ قال : غلب حمارى يا سيدى . قلت له : أفتوك لايزو يعنى أفتوك كذبا و نصفها الثانى مشتق من كلمة lies و تعنى أكاذيب بالانجليزية ..( فتوكا لايزو ) هو مصطلح يعنى ضحكوا عليك و باعوا لك التروماى و ملأوا خيالك بالوهم ...فهمت يا أستاذ بنزهير ؟ تلقف بنزهير المصطلح بسعادة بالغة و أخذ يردده فى فرحة , و صار من يومها لا يكف عن أستخدامه بسبب و بدون سبب , و بمرور الوقت نسى الناس أسم الشيخ بنزهير و صارت كلمة السر الدالة على الرجل هى ( أفتوكالايزو ) أو الشيخ أفتوكا ! و قد تزوج الشيخ أفتوكا و حصل على أوراق الاقامة و صار يقضى أيامه متنقلاً بين الولايات الامريكية و المقاطعات الكندية , و كلما لقيته فى أمريكا أو فى كندا كان يجرى نحوى مندفعاً فاتحاً ذراعيه لحتضننى فى ود و هو يصرخ بأعلى صوته : أفتوكا لايزو , و يشير نحوى و هو يقول للأصدقاء : هذا هو صاحب المصطلح و مالك حقوقه الحصرية , و لكنه تركه لى بنظام BOT و سأعيده اليه بعد 25 سنة . و على الرغم من أن هذا المصطلح العابث قد خرج بشكل عفوى فى سهرة بريئة مع الأصدقاء , و على الرغم من أننى تركت كندا و أمريكا منذ سنوات و لم أعد ألتقى بالشيخ بنزهير الا أن صوته مازال يرن فى أذنى و هو يقول ان جميع من فى مصر قد أفتوك لايزو. بسبب الشيخ بنزهير صرت أرى هذا المصطلح وثيق الصلة بأسباب تخلفنا و هو شأننا و ضياع حقوقنا , لأن حكومتنا المتصلة اذا ما أمعنت التفكير فى كل وعود أعضائها ستكتشف أنهم جميعاً قد أفتوك لايزو , و أعضاء مجالس الأنس ..المنتخبون منهم و المعينون لا يفتونك الا لايزو . و شيوخ الفضائيات و الأرضيات و الحوائط لا يفعلون سوى أن يفتونالايزو و مثلهم الصحف و المجلات , و الحزب العاكم و الأحزاب المساعدة التى تقوم بالتقاط بقايا الطعام من بين فكى التمساح , كذلك رجال الأعمال السفلية و العلوية ..حتى الفنانون لا تعكس أفلامهم و أغنياتهم سوى أكاذيب معبأة فى شرائط . و بالمناسبة ..لا أنسى سهرة دعيت اليها لدى سيدة أعمال مثقفة و مضيافة كانت تضم نخبة من نجوم الفن و الأدب و الصحافة و أساتذة الجامعة , و قد تصادف أننى فى هذا اليوم قد نشرت مقالاً عن ( المواطنة ) ستجدونه بالكتاب و فيه تناولت حكاية فتاة مصرية أرادت أن تدخل مطعماً على كورنيش النيل بصحبة بعض صديقاتها للأحتفال بعيد ميلادها , لكن مدير المطعم منعها فى غلظة من الدخول , و علل سبب المنع بأن ملابسها محتشمة أكثر من اللازم !!... جن جنون الفتاة بعد تعرضها لهذا الموقف المهين , و أرسلت حكايتها للصحف تطلب فضح المطعم العنصرى الفئوى الذى يمنع دخول المحجبات . و أخبرتنى الفتاة بأن أحداً لم يجرؤ على النشر لأنهم يتواطؤون مع صاحب المطعم و يخشون اغضابه . قمت بنشر حكايتها بصحيفة المصرى اليوم التى برهنت على ليبرالية حقيقية و أحترام حقيقى للقارىء . فى تلك السهرة دار الحديث و الدردشة حول المقال الذى كتبته بخصوص هذه الفتاة ... و على كثرة عدد الحضور الذين فى حدود 15 رجلاً و أمرأة لم أجد من بينهم شخصاً – يوحد الله – يقبل موقفى المساند للفتاة و حقها الطبيعى فى أن ترتدى ملابس محتشمة و أن تذهب للغداء فى مطعم ! قال ممثل بارز و محبوب : ما دامت تريد أن تتحجب أو تتنيل ...ما شأنها بالمطاعم النضيفة !! و قال الصحفى المخضرم : ان الحجاب قد انتشر كالوباء و أصبح يشكل حالة شديدة البؤس لا يمكن الدفاع عنها . و قالت سيدة فاضلة : ( بأعتبار أن الأخريات قد خرجن و هى التى فضلت ) ما الذى حدث لهذا البلد ؟ كنا زمان نرتدى المينى جيب و كانت الأخلاق أفضل بمائة مرة . و قال واحد من أساطين كتاب السيناريو : ليس لهذه الفتاة أية حقوق , و من يتشعلق بالحريات و الحقوق تكأة لنشر الطالبنية و الظلام فانه يشجع على الأرهاب و يحض على قتل الأبرياء و هذا لا يمكن أن نتعاطف معه (هكذا ) . وقال الأستاذ الجامعى : ان التيار يتحرش بالمجتمع و عندما نريد أن تكون لنا أماكننا و مطاعمنا الخاصة يزاحموننا فيها و كأنما لا تكفيهم بقية البلد! كان الكلام موجهاً الى شخصى باعتبارى الذى يساعد على نشر الوباء و الذى يحض على الأرهاب و تنطلى عليه دموع التماسيح الطالبانية . التفت حولى ألتمس شخصاً واحداً لديه بعض الأنصاف أو يحمل رؤية أنسانية للبشر و تعاطفاً مع أبسط حقوق الأنسان فى العموم .زفلم أجد . كلهم قالوا كلاماً فارغاً بعيداً كا البعد عن الموضوع ..الأخت التى تحدثت عن الأخلاق فى الستينات و كيف كانت أفضل ..أنا أؤيدها فى رأيها تماماً وأزيد عليها بأن الاخلاق قد أنهارت بالرغم من كل مظاهر التدين الزائف , لكن ما علاقة هذا بموضوعنا ؟.. نحن نتحدث عن انسانة أهينت لأن لبسها المحتشم لم يعجب أصحاب المطعم ..القضية بسيطة وواضحة . و الأخ الذى يطلب ممن تريد أن تتحجب أو تتنيل أن تجلس فى بيتها .. كيف سمح له ضميره الانسانى أن يقولها و هو الفنان الذى يحبه الجمهور و يتصورونه مثقفاً و مناضلاً و هم لا يدرون موقفة العنصرى منهم . و السيناريست الذى تطارده جذوره الصعيدية و يتطلع لاثبات أنه رجل مودرن وسط القاهريين , و نزع عن قتاة الحق فى الغداء بمطعم , ورأى فى هذا محاولة غزو طالبانى يجب التصدى لها . و أستاذ الجامعة الفاضل ماذا لديه يقدمه لطلابه عدا غثيانه و نفسه المائعة من أهل بلدة المصريين . كل الذى عنى السادة الأفاضل هو أن ينفثوا مشاعرهم الضائقة بمن يختلف عنهم فى أسلوب الحياة . لم يهتم أحد منهم بحقوق الأنسان التى يتحدثون عنها بألية و ميكانيكية تشبه الببغاء طول الوقت , وهى لا تعنى لديهم سوى حقوق أصدقائهم و بس ! قلت لهم منهياً الحديث : أنتم جميعاً فاشيست و لا أمل فيكم . و لم أشأ أن أدخل فى جدل عقيم حول صورتهم لدى الرأى العام الذى لا يعرف عنهم كل هذه الوحشية و القسوة و يتصورهم مشاعل النور . و لم أشأ أن أخبرهم أننى لا أدافع عن الحجاب و لا أدافع حتى عن الأحتشام , و لكن ما يعنينى هو حق البشر فى ألا يظلموا و ’يفتأت على حقوقهم لمجرد أن ملابسهم لا تعجبك . و لم أشأ أن أسعدهم بأننى شخصياً لست مغرماً بالحجاب و لا يشغلنى أن تتحجب المرأة أو تسفر , و لا أتدخل فى خيارات الناس الشخصية ... انما يعنينى صدقهم و ألتزامهم بالأصول و ليرتدوا ما شاؤوا . خرجت من هذه السهرة و أنا فى نكد عظيم لأن هؤلاء الناس لا يظهرون آراءهم الحقيقية و لا يعلنون عنها , و يحصلون على حب و أحترام لا يستحقونه , وهم فى موقفهم هذا تكفيريون يستبيحون كرامة و رب ما دم من يختلف معهم , و لا يرون له حقوقاً كما لو كان حشرة . و أحزننى أيها القارىء الكريم أنهم فى السينما و فى التليفزيون و الصحافة و فى الجامعة و على مدى سنوات طويلة قد غرروا بك و أطعموك البلوظة , و أفتوك فى كل ما سألتهم ..لايزو أســـامة غــــريب القاهرة 21 نوفمبر 2008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق