الاثنين، 9 مارس 2009

كــابورياتى و معالى كــيس الرمـــل

وهذه أيضاً رائعة أخرى و جديدة للأستاذ أسامة غريب من نفس الكتاب أفتوكا لايزو ..
لا أذهب الى الأسكندرية الا و تكون زيارة صديقى " الريس كابورياتى " هى أولى الواجبات التى أحرص عليها قبل أن أفعل أى شيىء آخر . ترجع صداقتنا الى أكثر من عشرين سنة مضت عندما قابلته فى حلقة السمك بالمكس , صحبنى الى مطعم السمك الذى يديره بالجوار . مهابته وسط الصيادين و تجار السمك ليست محل شـك . هو بالنسبة لهم بمثابة الدليل و المرجع . الجميع يستشيره و يأخذ برأيه فى كل الأمور. كان يصر كلما ذهبت اليه على دعوتى الى أكلة سمك فاخرة , و كذلك دعوتى الى لقائه اليومى بأهله و عشيرته , و حيث كان يقوم بالأستماع الى مشاكلهم و فض المنازعات بينهم . و على تواضع حظه من التعليم , فقد أوتى حكمة عظيمة , و كان يدهشنى ذكاؤه وقدرته على ايجاد حل لكل مشكلة , و حتى أننى لأتصور أن رجلاً كهذا يصلح بدون مبالغة لقيادة مركز لأدارة الأزمات أفضل من كل الموجود بالهيئات و المؤسسات العامة . و لا أخفيكم أننى أعتقد بحق أن البروفيسير كابورياتى – كما أحب أن أناديه – يمكنه أن يكون رئيساً للوزراء على قدر عال من الكفاءة بأكثر مما يتصور أحد . و قد شهدت ذات يوم فى مطعمه الذى يؤمه علية القوم أحتدام النقاش بينه و بين أحد أفنديات القاهرة و الذى يعمل مديراً لمكتب أحد الوزراء عندما ذكر الأفندى أن مخدومه الوزير يتعب كثيراً و يبذل جهداً فوق الطاقة من أجل مصر .. يومها شاهدت كابورياتى يضحك من أعماقه لمدة ربع ساعة متصلة و يقع على الأرض ثم ينهض و يواصل الضحك , ثم ينادى أحد صبيانه " على جندوفلى " و يقول للرجل مشيراً الى صبيه : ان جندوفلى يصلح لأن يستوزر و يحقق صالح الناس أفضل من وزيرك الذى يتعب من أجلنا ... ستسألنى كيف , أقول لك : جندوفلى يحب الناس فلن يؤذيهم , و هو صادق بطبعة , فلن يكذب عليهم , و هو لن يحج على حسـاب شعب مصر لأنه لا يقبل السحت , و لن يجرح مشاعرهم أو يعيرهم بفقرهم , و لأنه شهم و ابن بلد فلن يغلق الشوارع و يحبسهم عند مروره , و لن يغافل الناس و يبيع ممتلكاتهم , و لن يهددهم برفع الدعم , و لن يحمى الحرامية و يمنع تقديمهم للعدالة ..., هذا عن الأشياء التى لن يفعلها أبداً , أما الأشياء التى سيفعلها فأطمئنك ... لن يفعل شيئاً , حسبه أن يمتنع عن " الأذية " و هذا لعلمك أكبر مما يحلم به الناس ! الحقيقة أننى يومها أخذت بفصاحة كابورياتى و أتساق منطقه و ’بعد نظره , رغم فانتازية الحوار و كاريكاتوريته . فى زيارتى هذه المرة لقيت مطالب الأهالى قد زادت و رأيتهم يحملون اليه طلبات مكتوبة اعتقاداً منهم بأنه يقدمها للوزراء و المسؤولين من خلال معارفه , و بعضها يطلب التعيين فى وظيفة , أو المساعدة فى تنكيس بيت أو أستعجال عربة الكسح , و كانت أغرب الطلبات من شاب يلتمس من كابورياتى أن يتدخل و يطلب من رجال الشرطة أن يبتعدوا عن مكان العملية و يضربوه فى أى موضع أخر !! كانت دعوته لى هذه المرة فى بيته الذى لا يدعو اليه سوى المقربين من الأصدقاء ,و لمحت فى الصالة كيس رمــل مما يتدرب عليه الملاكمون فى الأندية , و حول الكيس أوراق ملصقة تحيط به من كل جانب . لم يفتنى أن أسأله عن ماهية كيس الرمل و الأوراق الملصقة به . ضحـك فى مودة و قال : هذه طلبات الناس التى يقدمونها لى على أمل أن أقدمها بدورى الى بعض الوزراء . و لما كان هذا البعض لا يحل و لا يربط و لا يرجى من ورائه أية فائدة , و مفهوم أن اتوزاره تم من أجل غرض واحد . سألته : أى غرض هذا يا بروف ؟ قال : لا يغيب عن فطنتك أن الأشياء الطيبة التى يسمونها انجازات يجب أن ينسب الفضل فيها الى السيد الرئيس : قلت له : تمام , فأضاف : أما الكوارث و النكبات فلا أن تجد أباً شرعياً يقبل أن " يشيل الليلة " و هذا بالضبط هو دور بعض الوزراء فى أغلب الأحيان , بمعنى أن يستقبل نقمة الناقمين و غضب الغاضبين و سخط الساخطين و أن يتلقى الضربات و اللعنات و يمتصها حتى لا تصل الى فوق , و لا يهم بعد ذلك كيف يكون سلوك الوزير ازاء غضب الناس .. بعضهم يتفهم و يسامح و ينعم فى المقابل بالثروة و الجاه , و البعض الأخر يرد على الغضب باجراءات انتقامية فى حق الناس فيتضاعف الحنق الشعبى ضده , ( و هو المطلوب ) و هذا يكون بقاؤه فى الوزارة مضموناً لمدة طويلة نظراً لكفائته فى المهمة . قلت له يا ريس كابورياتى .. ما هذه التحليلات العميقة , و لكنى مع هذا لم أفهم لماذا تعلق كيس الرمل فى بيتك على هذا النحو ؟ أجاب : لأن الناس كما رأيت بعينيك يستحلفوننى و يأخذون على العهد أن أقوم بتوصيل طلباتهم , و أنا لا أستطيع أن أحنث فى القسم و لا أن أخذل أصحابى و أهلى !! فى الوقت نفسه فانى أقوم بما يقدرنى عليه ربنا و أحاول من خلال الحبايب أن أساعد الناس قدر الطاقة . قلت و أنا غير مصدق : أنت مدهش يا كابورياتى , أنت رجل عجيب حقاً , و أنا لابد أن أكتب عنك حتى يتعرف القراء على صديقى الجميل : البروفيسور كــابوريــاتى !!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق